رواية أوبال
زمرةٌ من الخيول كانت تركض في تناسقٍ بديعٍ، على إيقاع واحد، أصوات حوافرهم وهي تقدح الأرض يتناغم مع ضربات قلوبهم المتلاحقة، كانت قوائمهم تصطف على التوازي بشكل أنيق وهم يتسابقون، وقد وحّدوا سرعتهم وكأنّهم نسيج واحد، خفّ المطر شيئًا فشيئًا حتى صار كدمع العين هتونًا رقيقًا، وانبثق قوس المطر يزيِّن صفحة السماء ويصافح خط الأفق من بعيد. صهل فرس منهم فعلت جلجلة رفاقه بأصوات صافية مُسْتَدقة، ثُمّ تقدّمهم فلاحقوه ضبحًا حتى وصلوا أخيرًا لبستان واسع أخضر مدهام. لو كنت خيلًا لأجفلت منهم، ولو كنت من البشر لأجفلت منهم أيضًا، فتلك الأصوات التي تعالت عندما هدأ كريرُ صدورهم لم تكن أصوات خيول أبدًا، بل كانت من أصوات البشر!
لقد ابدعت الكاتبة في خلق فجوة زمنية للقارئ ينتقل من خلالها بعقله وقلبه مع شخصيات الرواية وأحداثها كما في روايتها السابقة " إيكادولي "، ولكن تميزت هذه المرة بقوة اللغة ومصطلحاتها، فُتِن قلبي قبل عقلي بالأسماء العربية الأصيلة للخيول وشخصيات الرواية.والأعظم من ذلك، ابداع الكاتبة في الخيال الذي لا ينضب. فمن العجيب كيف أن كل تلك الأحداث وتشابكها وترابطها نبعت من عقل واحد وكُتبت بقلم واحد أبدع في الخيال والسرد معًا ! . فلكلٍ منا دروب لم يكتشفها بعد؛ " فالحياة دروب، بعضها نختاره بأنفسنا، وبعضها يُفرض علينا، درب فيه نسعد، ودرب فيه نشقى، ودرب فيه نذنب، ودرب فيه نتوب، ودرب فيه نموت لنبدأ الرحلة في درب أخير نولد فيه من جديد "، لنصل إلى حقيقة أن " الحياة حرب مع أنفسنا، ومع الدروب التي نسلكها، وأحياناً مع الحمقى الذين نحبهم ".لقد جسدت الألم بصورة عظيمة، وجعلت القارئ يعيش مع " يوسف، عبيدة، موراي، ميسان وهيدرانجيا " ومع كل هذا الألم علمت أن من ألطاف الله بنا أنه يبتلينا بابتلاء صغير لننشغل به عن وجع ابتلاء آخر أكبر منه، فننشغل بهذا عن ذاك. وربما لا ندرك هذا إلا بعد وقت طويل، أو لا ندركها أبداً.وأخيرًا، يظل هذا الاقتباس الأقرب لقلبي والأعم والأشمل لكل المعاني السامية في هذه الرواية : " عندما تشق دروب الحياة، وقبل أن تبحث عن الطريق فتش أولًا في قلبك، فقد ترى الحق وسط دياجير الظلام، او نضل عنه ونحن في غمار النور، فالهداية للحق ليست من قناديل النور، بل هي تنبع من داخلنا، عندما نفرّ إلى الله".الكتب عالم مغري، يأتيك عن يمينك و شمالك ليراودك عن نفسك. تغرف منه غرفة فتزداد ظمأ فتظل تستزيد و تستزيد إلى أن تنتشي منه حد الثمالة..أوبال تزينت و فاح عطرها و قالت لي هيت لك.كنت كالمفتونة مددت يدي وغرقت بين سطورها.وانتقلت بجميع حواسي إلى عالم الخيال، المليء بالجمال.أوبال فانتازيا صيغت حروفها بعناية تأخذك عبر دروبها إلى هناك، و هناك قد تكون دهاليز نفسك و قد تكون تخبطاتك في مسالك الحياة.قد تحملك إلى مجاهل و أماكن لم تتعرف عليها في نفسك، أو إلى أماكن طمرتها بتراب السنين.اسمع صرير باب غرفك المنسية و أزح عبر صفحاتها عش العنكبوب و لا تخف على الحمامة أن تطير فطيب طينة صنعك ستطمأنها.دع شيطانك يقول "إنسي قوي" قوي بمعية الله، ضعيف مهزوم كلما ركن إلى نفسك و انزلق نحو بهيميته، و صاح أنا أنا.تعلم أن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، و خذها في مفهومها الإيجابي الواسع فبوسعك الكثير.دروب الحياة كثيرة مغرية، فتحصن و غض غمارها.لا تترك الأمور دون بلوغ مرامها، فقد تستفحل و تتضخم بمرور الوقت، فتراها كالطود العظيم فتضعفك و تدهسك.أوبال عايشت شخوصها، دمعت عيناي و رق قلبي و ازداد حبي للغة الضاد
تحميل الرواية